التكيف في القيادة مهارة تميز القادة

أعود إليكم هذا الشهر في موضوع جديد وممتع في القيادة هو عن التكيف في “أساليب القيادة الإدارية”. لا أسعي من هذا المقال إلى مجرد التنظير، ولكن أرمي إلى بيان أن قدرة القيادة الإدارية لا تكمن في نمط واحد، وأن القائد المميز هو الذي يستطيع التكيف في أسلوبه القيادي حسب فريقه والمواقف والمعطيات التي يراها. لذلك، سأبدأ أولا بطرح سيناريوهات وأحداث قصصية، ثم أنطلق منها لموضوعنا وتأصيله بالطريقة الصحيحة.

الكفاءة المهنية وحسن النوايا لا تكفي

أحمد، من أفضل وأقوى المبرمجين في فريقه، ومن الأشخاص الذين ينحتون الكود البرمجي بما تعنيه الكلمة. يتعامل أحمد مع طريقته في البرمجة كأنه فنان، يتخيل ثم يخطط ثم يبرمج ويخرج في نهاية المطاف بقطعة فنية لا يشوبها خلل، وتؤدي مهمتها البرمجية بفعالية وكفاءة عالية منقطعة النظير.

تولى أحمد قيادة فريقه مؤخرا، وأصبحت لديه مسؤوليات ومهام قيادة إدارية على غير ما عهد من قبل. أراد أحمد أن يكون قائدا مؤثرا، كما يسمع ويقرأ عن الذين برزوا في أدوارهم القيادية. فأصبح يعمد إلى ترك التدخل في التفاصيل البرمجية التي يفهمها ويتقنها جيدا، ويعطي ما أسماه مساحة من “التمكين والحركة” لفريقه ليعزز فيهم الابتكار والمشاركة. ولكن النتائج لم تكن كما كان يرجو!

مع مرور الوقت، أصبحت المشاكل تكثر في مخرجات فريقه، وأصبحت البرامج التي كان ينحتها كقطع فنية، أقرب ما تكون كخردة مجمعة يشوبها الصدأ والكسور. مالذي حصل؟ ماذا أخطأ فيه أحمد رغم نواياه الحسنة في القيادة؟ وخبرته العميقة في مجاله؟

كان أحمد يفكر فيما جرى، واقفا مقابل نافذته التي كانت تطل على المبنى الآخر للشركة. جذب انتباهه ماكان يجري في مكتب مديرة المالية، أفنان. كانت أفنان، على مايبدو، في نقاش حاد بينها وبين إحدى موظفيها الخبراء – مها – والتي كانت تشغل منصب كبير المحاسبين في الشركة. لم يستطع أحمد فهم ماكان يجري. كان على علاقة جيدة مع فريق المالية، وأقلقه ذلك الموقف كثيرا. صدم لاحقا، عندما عرف أن كبيرة المحاسبين، مها، قدمت استقالتها بعد ذلك الحوار الحاد.

أخذ أحمد يتساءل، مالذي جرى مع أفنان؟ عرفها أنها بخبرتها العميقة وأسلوبها الرائع، لم تكن لتخسر مها بهذه السهولة. يذكر جيدا كيف أن كليهما أسسا فريق المالية والمحاسبة على أكمل وجه، وكيف أن عملها لايشوبه شائبة. مالذي تغير؟!

ماخلف الكواليس

كان أحمد هو الخبير الوحيد في مجاله، وكان بقية فريقه من الموظفين الجدد والذين تنقصهم المهارات والثقة اللازمة لتولي مهام برمجية معقدة. رغم أن أحمد كان يسعى للتمكين وإعطاء المساحة الحرة، إلا أن فريقه لم يكن مستعدا لذلك. بل إن بعضهم أصبح يشعر بكثير من الضياع في المهام المسندة لهم، وبعضهم الآخر بدأ يفكر جديا في ترك العمل والبحث عن مكان يعطيه التعليمات والتوجيهات التي يحتاجها.

أما مها، فكانت تشعر بشيء من تضييق الخناق عليها وعلى طريقة عملها من جهة مديرتها أفنان. كانت أفنان حريصة كل الحرص على أن تتابع وتشرف على كل صغيرة وكبيرة. هي التي قامت ببناء الإجراءات والأنظمة والأدوات والنماذج، وكان يعز عليها كثيرا أن يحصل خطأ ما يقض كل ما بنته عبر الزمن. رغم أن مها كانت شريكتها من منتصف الطريق وحتى الآن، إلا أنها استمرت في متابعتها ومحاسبتها بدقة. وغالب أمرها كانت فرضيات لم تحصل، ومخاطر بعيدة الاحتمال. كانت تقضي وقتا طويلا على مراجعة دقائق الأمور، وتستنزف وقتها على تدقيقات غالبا ماكانت تجد لاحقا أن مها غطتها على أكمل وجه. إلا أن أفنان لم تتعلم كيف تترك أو حتى ترحل عن بعض الأمور.

هذان نموذجان من استخدام أساليب في القيادة الإدارية تكون خاطئة أو غير مناسبة للمواقف بتفاصيلها. الأول – أحمد – كان يسعى وراء التفويض والتمكين مع فريق غض جديد يحتاجون وضوح التعليمات والتوجيه خطوة بخطوة حتى يبنوا المهارات والثقة اللازمة في عملهم. والثانية – أفنان – كانت تمارس درجة كبيرة من التحكم والمتابعة مع خبيرة وجديرة بالثقة قابلة للتفويض وتحتاج مساحة من التمكين والحركة.

الفريق في الحالة الأولى، أصبح يعاني من الضياع والتخبط. والفريق الثاني (ممثلا بـ مها) أصبح يعاني من الاختناق والقيود. وهذا سببه هو استخدام الأسلوب الخاطئ وعدم التكيف حسب الفريق والظروف الحالية.

التكيّف في القيادة الإدارية

يذكر “بول هيرسي” و“كين بلانشارد” في نظريتهم الشهيرة “التكيف في القيادة” (Situational Leadership by Paul Hersey and Ken Blanchard) أن هناك أساليب عدة في القيادة يجب أن يتم استخدامها وتوظيفها على حسب الظروف. قد يكون لكل منا أسلوبه في القيادة الإدارية، والذي يمكن أن يمتثل لأربعة أساليب رئيسية، بناء على مدى الانغماس في المهمة مقابل العلاقة مع الأفراد أو الفرق التي نقودها.

نموذج التكيف في القيادة الإدارية (Situational Leadership)

لنتعرف قليلا على هذه الأساليب الأربعة بشكل أكبر.

١ | أسلوب التحكم (Directing)

أو إعطاء التعليمات (Telling)، وهو أسلوب تحديد مايجب عمله من قبل الفريق والانغماس في المهمة والإشراف على تنفيذها. يغلب على هذا الأسلوب أن التركيز وإعطاء الوزن يكون أكثر للمهمة وتنفيذها، بينما العلاقة والدعم تكون في الظل، أو قد تنعدم تماما.

يناسب هذا الأسلوب أشخاص ومواقف معينة، مثل أن تكون على خط النار وتحتاج للأخذ بزمام الأمور ونقلها إلى بر الأمان. أو أن تكون بصدد التعامل مع فريق مبتدئ ويحتاج التعليمات والتفاصيل والمتابعة لينطلق في البدايات مثلا.

قد يعطي هذا الأسلوب نتائج سريعة في الحال، ولكنه غير مستدام ولا يبني عادة للمستقبل. الاستمرار على هذا النمط من القيادة الإدارية يجعلك حبيس التفاصيل دوما، ويخلق من فريقك أعضاء يعتمدون على تواجدك، ويختل توازنهم في غيابك. وسببه أنه يركز على المهمة على المدى القصير، ولا يبني ويطور الفريق على المدى البعيد.

مثال على أسلوب التحكم:
تكون بصدد التعامل مع مشكلة ما، فتعطي تعليمات واضحة وتفصيلية لأجراء التعامل معها. ثم تتابع الفريق خطوة بخطوة لتنفيذها والتحديث المستمر بشأنها حتى إغلاقها بالشكل الصحيح.

٢ | أسلوب التوجيه (Coaching)

أو التأثير (Selling)، وهو أسلوب التواصل والأخذ والرد مع الفريق لإرشاده وإقناعه بفكرة ما مع المشاركة في إنجاز المهمة. يتم التوازن والتركيز على الجانبين معا: جانب أداء المهمة وتنفيذها، وجانب العلاقة وتطويرها مع الفريق.

يناسب هذا الأسلوب الفرق التي تتمتع بالتحفيز والحماسة الذاتية، ولكن ينقصها المهارة والخبرة اللازمة. يتم فيه توجيه الفريق لسد فجوات المعرفة والمهارات لديهم، مع الاعتناء ببناء العلاقة معهم وتطويرهم.

هذا الأسلوب من أكثر الأساليب استنزافا للطاقة لدى القائد. ولكنه يتسم بطابع الاستثمار في المستقبل. فقد يبدو أنه غير مستدام في البداية، لما يستنزفه من جهد ووقت أكثر، إلا أنه يبني الفريق مع الوقت ويكون العائد منه أفضل لاحقا.

مثال على أسلوب التوجيه:
تكون بصدد التخطيط لمشروع جديد، فتجمع فريقك بورش عمل منوعة تعطي فيها طريقة التعامل مع المشروع وبناء خطته. تركز على مشاركة الفريق بأفكارهم ويكون الحوار بإقناع أكثر منه إجبار، وبمشاركة الخبرة مع استعدادك لتجربة طرق أخرى. تستمر في متابعة تفاصيل المشروع والتكيف مع فريقك حسب قدراتهم ومخرجاتهم.

٣ | أسلوب الدعم (Supporting)

أو التعاون (Cooperating)، وهو أسلوب المشاركة في القرار مع الفريق وتوفير الدعم والمساعدة، ولكن بدون الانغماس في المهمة. ومعظم التركيز هنا والوزن يعطى لبناء العلاقة وإبداء روح المساعدة والدعم، مع ندرة، أو حتى بدون، الانغماس في المهمة نفسها أو في تفاصيلها.

يناسب هذا الأسلوب الفرق التي تتمتع بالقدرات والخبرات اللازمة لأداء المهمة، ولكن قد يشوبهم عدم الحماس أو الثقة أو قد يختفي عندهم الحافز الذاتي. يكون دورك هنا دور المساعد لمعرفة الأسباب، وكشف الغطاء عما يشكل عليهم نفسيا أو معنويا، ثم بيان تواجدك لمساعدتهم ودعمهم للتعامل معها.

قد يبدو هذا الأسلوب غير مريح أو لا يناسب البعض، من مبدأ: “خلونا نشتغل، بلا دلع!”. ولكن الفكرة أن فريقك قد يكونون بصدد تحديات أو تغيرات غير مألوفة لديهم، ويكون دورك هنا دور القائد الحاني والمؤثر لمساعدتهم في التعامل معها.

كما أن التركيز الزائد على هذا الأسلوب، واستخدامه في غير موضعه، قد يجعل منك قائدا لينا لا يلتفت ولا يعتني بأداء المهام على أتم وجه. وهذا أصل في “التكيف في القيادة” أنه لا يوجد أسلوب واحد هو الأصح دوما.

مثال على أسلوب الدعم:
يمر أحد أفراد فريقك بظروف صعبة جدا، ولا يعرف التعامل معها بالشكل الصحيح. يظل هذا الشخص قادرا وخبيرا في مجاله ومهامه المسندة له، لذلك لا يتطلب منك التدخل فيها، ولكن تحاول الجلوس معه والتحاور بشأن ما يمر به. تجتهد في تقديم المساعدة له، إن استطعت، أو تسعى لإيصاله لأهل الاختصاص إذا تعقد الأمر.

٤ | أسلوب التفويض (Delegating)

أو التمكين (Empowering)، وهو أسلوب ترحيل المسؤولية (وليس المساءلة) للموظف أو الفريق، وإعطاؤه المساحة للقرار والحركة باستقلالية. ويقل هنا العمل أو التركيز على الجانبين معا. فلا تجد نفسك في تفاصيل المهمة وكيفية إنجازها، ولا تجد نفسك أيضا في دعم ومشاركة معنوية مستمرة مع الفريق.

هذا الأسلوب يناسب الأشخاص والفرق التي وصلت لدرجة جيدة من الخبرات والمهارات لأداء المهام المناطة بهم، وكذلك الثقة والحافز والحماس للعمل والتعامل مع أي صعوبات قد يواجهونها. وهو مساحة عادة ما يحتاجها الفريق للإبداع والانطلاق، بقدر ما يحتاجها بعض القادة للتركيز والتعامل مع ملفات أخرى قد تكون استراتيجية أكثر بطبعها.

قد يفهم خطأ أن هذا الأسلوب يعني بعد القائد عن فريقه وغيابه عن الميدان، وهذا ليس بصحيح. فقد يكون لدى القائد رؤية جيدة عما يجري ومؤشرات معينة تساعدة على المتابعة من غير الاختناق بالتفاصيل. كما أن الوصول له يكون ميسرا وسهلا وذلك للدعم والمساعدة عند الحاجة. وهذا أصل فكرة “التكيف في القيادة”.

مثال على أسلوب التفويض:
تأتيك مكالمة من أحد العملاء بشأن قضية ما. فتقوم بتفويض التعامل معها لأحد الخبراء في فريقك وتعطيه الصلاحيات والمساحة لاتخاذ ما يلزم. وأنت تقوم بذلك، تكون على يقين أن هذا الشخص قادر على التعامل مع القضية وإغلاقها على أتم وجه. وهذا على غرار بيت الشعر: “إذا كنت في حاجة مرسلا .. فأرسل حكيما ولا توصه”.

أساليب في القيادة الإدارية

قد يغلب عليك الاستخدام أو التفضيل أو حتى الإفراط في أحد هذه الأساليب الأربعة. ولكن الفكرة تكمن في أنه لا يوجد أسلوب واحد أفضل من الآخر، وإنما يتحتم على القائد الاختيار والتكيّف حسب الظروف. لذلك تسمى هذه المهارة بـ”القيادة الظرفية”، ولكني أحب تسميتها بـ “التكيّف في القيادة”.

مستوى النضج لدى الفريق يحدد أسلوبك القيادي

كما تبين حتى الآن، فإن أهم العوامل التي تؤثر على مناسبة الأسلوب القيادي من عدمه في موقف ما هو مدى خبرة وجاهزية الفرد أو الفريق الذي أنت بصدد قيادته، أو مستوى نضجه. وحتى نسهل هذه العملية، فيمكننا تصنيف الأفراد (أو الفرق كاملة إن اتسمت بنفس الصفات) بحسب الخبرة أو المهارة مقابل الثقة والحافز الداخلي. وهذا مجرد تبسيط، مع العلم أن واقع الفرق قد يكون أعقد من ذلك.

أربعة مستويات للنضج عند الأفراد والفرق

بهذا، يتيبن لك أنه يمكننا تحديد مستوى النضج لدى الفرد أو الفريق على أربعة مستويات:
١ | المستوى الأول (Maturity Level 1):​ وتكون فيه المهارة ضعيفة أو معدومة، كما أن الثقة والحافز الداخلي يكون قليلا أو معدوما.
٢ | المستوى الثاني (Maturity Level 2): تبرز فيه الثقة والحافز الداخلي، ولكن تنقص المهارة والخبرة اللازمة للتعامل مع المهمة.
٣ | المستوى الثالث (Maturity Level 3): تتوفر فيه المهارات والخبرات اللازمة للتعامل مع المهمة المسندة، ولكن تختل الثقة أو يضعف الحافز الداخلي لدى الفرد أو الفريق.
٤ | المستوى الرابع (Maturity Level 4): تتوفر المهارات والخبرات كما يكون هناك وفرة من الثقة والحافز أيضا، وهذا أعلى مستويات النضج لدى الفرد أو الفريق.

وقد يظهر لك جليا الآن أن أساليب القيادة الإدارية التي طرحناها سابقا، تتناسب بشكل مطرد مع مستويات النضج الأربعة أعلاه. فتجد أن أسلوب التحكم يناسب مبدئيا مستويات النضج المتدنية، ثم يصعد إلى التوجيه مع وجود مادة الحافز الداخلي، ثم يتغير إلى الدعم في حالة وجود الجدارة وغياب الحافز، وينتهي بنا المطاف إلى التفويض في حال مستوى النضج العالي.

تمارين تطبيقية – تقييم الأسلوب القيادي مقابل مستوى نضج الفريق:

لعل الفكرة تتضح أكثر، وتكون ممتعة وعملية أكثر عندما تخوض التجربة بنفسك في هذين التمرينين الخفيفين. حاول جاهدا القيام بهذه التمارين وإعطاءها الوقت والجهد الكافيين، حتى تستفيد من هذا المقال بالشكل الأفضل.

دراسة حالة (١):

١. فكر في موقف حصل سابقا أو يحصل حاليا في عملك وأنت تقوم بدور قيادي أو إشرافي.
٢. هذا الموقف تطلب منك توظيف موظف جديد في فريقك، وأنت بصدد إسناد مهام معينة له.
٣. قم بكتابة وصف بسيط لهذا الموقف وما يتبعه من الفرد والمهمة التي أنت بصددها.
٤. حاول تقييم هذا الفرد الجديد في فريقك، من حيث القدرة والمهارة التي يتحلى بها مقابل المهمة المطلوبة منه.
٥. وبعدها حاول تقييم هذا الفرد من حيث مدى الحماسة والدافع الذي لديه لأداء تلك المهمة.
٦. ماهو في نظرك مستوى النضج الأقرب لهذا الفرد بناء على تقييمك المبدئي هذا؟
٧. ماهو الأسلوب القيادي الذي ترى أنه يناسب هذا الفرد في هذا الموقف؟ ولماذا؟
٨. مالذي ستقوم به تحديدا مع هذا الفرد لتطبيق ذلك الأسلوب القيادي معه؟

طبق هذا التمرين، ثم ابحث عن شخص تثق فيه وتناقشه وتطلب منه مرئيات عن طريقة تقييمك، وأسلوبك، وخطواتك التي ستعمل عليها.

دراسة حالة (٢):

١. فكر في موقف حصل في جهة عملك مؤخرا، بين مدير ما مع فريقه أو أحد موظفيه.
٢. في هذا الموقف، ترى أن أسلوب ذلك المدير لم يكن مناسبا للتعامل مع موظفه أو فريقه بشكل كامل.
٢. قم بوضع وصف مختصر لهذا الموقف، مع بيان المهمة المسندة ومدى انغماس المدير فيها ومدى اعتنائه بالعلاقة مع الموظف أو الفريق.
٣. طبق نموذج أساليب القيادة الإدارية وذلك ببيان ما هو الأسلوب الذي برز أكثر عند هذا المدير.
٤. طبق نموذج مستويات النضج الأربعة وذلك ببيان ما هو تقييمك المبدئي لمستوى النضج عند الموظف أو الفريق.
٥. لا تنس أن تأخذ الموقف تحديدا وترى المدير وموظفه مقابل المهمة التي يتم العمل عليها.
٦. ما هو الأسلوب القيادي الذي ترى أنه يناسب أكثر لهذا العضو أو الفريق؟
٧. ماذا كنت ستعمل تحديدا لو كنت أنت مكان هذا المدير وفي نفس الموقف؟

ناقش هذه الحالة مع من تثق بهم وفي مرئياتهم عن تقييمك ومقترحاتك لهذا الموقف. وإن كنت ترى المجال يتسع لمناقشة أطراف الموقف تحديدا والحوار معهم بشأن هذا الأمر، من باب المعرفة والاستكشاف أو النصح والمساعدة، فقم بمشاركة مرئياتك معهم.

ماذا يحصل عندما لا يتناسب الأسلوب القيادي مع الفريق؟

عندما يتنافر أسلوبك القيادي مع مستوى النضج عند من تقودهم، تنتج الانطباعات الخاطئة عنك. ثم تبدو تجربتك القيادية وتجربة من تقودهم كما لو كانت في احتكاك ومقاومة دائمة تستنزف طاقتك وطاقتهم معا. وكما رأينا في الأمثلة السابقة، فإن الكفاءة المهنية وحسن النوايا في أسلوبك القيادي لا يكفي.

لم يكن يود أحمد أن يضيع فريقه، ولم تكن تنقصه الكفاءة المهنية. كانت نواياه حسنه تسعى وراء التمكين وإعطاء المساحة، ولكن فريقه لم يرها كذلك. كما أن أفنان لم تكن تتابع من باب الشك أو الخوف من فريقها، أو من باب تضييق الخناق عليهم و”تطفيشهم”. كانت تحركها المسؤولية والحرص الزائد، ولكن فريقها لم ير ذلك منها. وهذا ما يحصل عندما لا يتوافق الأسلوب الإداري مع الفئة التي تقودها: انطباعات خاطئة + تجربة مريرة.

ماذا يحدث عندما يتنافر أسلوب القيادة مع مستوى نضج من تقودهم

عوامل أخرى تؤثر في أسلوبك القيادي

مستوى النضج لدى الأفراد أو الفرق التي تقودها، رغم أهميته القصوى، ليس وحده هو العامل الوحيد الذي يحدد أي الأساليب أفضل. هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار، والتي بدورها تدخل كمتغيرات تساعدك على معرفة أي الأساليب هو الأنسب لموقف ما.

١ | نوعية المهمة التي أنت بصددها:

ليست كل المهام متساوية، بل إن بعض المهام تتطلب أساليب معينة حسب الحاجة. فمثلا، كمية التعقيد في المهمة كأن تكون مشروعا كبيرا وليس مجرد مهمة بسيطة يتم التعامل معها. فكلما زاد تعقيد المهمة، كلما تطلب ذلك الدخول في بعض تفاصيلها والمساعدة في تفكيكها وتبسيطها للفريق. وهذا بطبعه يرجح أساليب التحكم والتوجيه مقابل الدعم والتفويض.

كما أن كمية التكرار التي تتسم بها المهمة، تؤثر حتما على أي الأساليب أكثر استدامة فيها. فكلما كانت المهمة متكررة، كلما تطلب ذلك ترحيلها للفريق أو بعض أفراده، من باب تطويرهم ومن باب تفريغ وقت المدير لأمور أهم. وهذا بطبعه يرجح أساليب الدعم والتفويض في هذه الحالة.

٢ | تواجد الفرصة وماهيتها:

ليست كل المواقف يتوفر فيها نفس المستوى من الفرص. فهناك مواقف حرجة وحازمة تتسم بطابع الأزمات، وتتطلب من القائد التدخل والتشمير عن يديه والقفز في الميدان بأسلوب التحكم. وهناك مواقف أكثر أريحية وقابلية لأساليب أخرى قد تكون هي الأنسب، كما لو كانت الفرصة متاحة لتعليم وتطوير الفريق بالتوجيه، أو حتى إعطاؤهم المساحة للتجربة والابتكار وذلك بالتمكين مثلا.

٣ | مستوى الصلاحيات التي لديك:

كما أن مستوى الصلاحيات لديك قد يحتم عليك استخدام أسلوب معين أكثر من غيره. فعندما تتغيب عنك الصلاحيات الإدارية وما يتبعها من موارد وقدرة على التحفيز أو التقويم، فإن ذلك قد يلزم منك الدخول بالتفاصيل وممارسة التأثير قدر المستطاع. بينما عندما تكون لديك صلاحيات أكثر، ونطاقا أوسع من العمل والسلطة، فهذا يتطلب منك أن تبتعد قليلا عن التفاصيل وتمارس الدعم، والتفويض بشكل أكبر.

عينة من العوامل المؤثرة في أساليب القيادة الممكنة

قد يكون هناك عوامل أخرى تؤثر في أساليب القيادة ومناسبتها للموقف، ولكن أحببت هنا أن أختصر أهمها قدر المستطاع.

التكيف في القيادة مهارة صعبة تميز القادة

هذه هي مهارة التكيّف في القيادة، وهي مهارة صعبة التعلم والمراس. وذلك أنه لا يوجد أسلوب قيادي واحد لكل المواقف، ولكن الأجدر عند القائد الإداري أن يقرأ المواقف ويعرف متغيراتها، ثم يختار ما يناسبها من أساليب القيادة. وهذا بحد ذاته يتطلب جهدا كبيرا، ولا يرتقي له إلا القادة المتميّزون.

ليس المطلوب منك هنا أن تحول أسلوبك بين يوم وليلة، وليس أيضا المتوقع منك التكيف بسهولة مع جميع المواقف. كما أنه لا يتوقع منك أن تمارس جميع الأساليب بكفاءة ومهارة عالية. الفكرة أن تستخدم هذا النموذج والأفكار في هذا المقال كـ “خارطة ذهنية” ترجع لها بشكل سريع وتجرب وتستكشف، وتحاول التكيف. لذلك، يمكنك بداية اتباع الخطوات في التمرين التالي حتى تهيئ نفسك لهذه المهارة.

تمرين: تهيئة ذاتية للتكيف في القيادة

١. قيم نفسك من ناحية أسلوبك في القيادة الإدارية حسب ما فهمت من المقال حتى الآن.
٢. اطلب مرئيات الآخرين عنك، وخصوصا من فريقك. ولعل العمل الذي قمت به في الحضور القيادي يساعدك.
٣. ماهو الأسلوب القيادي الذي يغلب عليك استخدامه بشكل أكبر؟ ولماذا تعتاده أو تفضله؟
٤. الآن، قيم أفراد فريقك (أو فريقك كاملا إن كانوا يتسمون بنفس الصفات) من ناحية مستوى النضج لديهم.
٥. تذكر أن مستوى النضج قد يكون عاما، وقد يكون خاصا بحسب المهام والمشاريع المسندة للفريق.
٦. ما هو مستوى النضج الذي يغلب على فريقك؟ ولماذا؟
٧. الآن، قيم مستوى الاحتكاك والتنافر بين أسلوبك القيادي مقابل مستوى النضج لدى فريقك. ماذا ترى؟
٨. اختر جانبا واحدا يكون فيه مستوى التنافر عاليا، ويغلب عليه أن تجربتك القيادية وتجربتك من تقودهم ليست بالشكل الفعال.
٩. حدد الفرد والمهمة التي تتعلق بهذا الجانب، وبين مالذي يمكنك تغييره فيها؟
١٠. ما هو الأسلوب القيادي الذي يمكنك تجربته في هذا الجانب على عكس ما تعتاد أو تفضل؟

تعامل مع هذا التمرين على أنه تجربة استكشافية تود فيها تقييم نفسك والمواقف التي تمر بها بشكل صادق. وتود عندها تجربة أسلوب جديد ترى مناسبته للموقف، والذي غالبا لا يمثل أسلوبك المفضل أو المعتاد. دون تجربتك وماذا تعلمت منها، وكيف تستفيد منها في المستقبل.


التكيف في القيادة من المهارات المهمة والصعبة في نفس الوقت. ولو كانت سهلة ويسيرة، لكان كل القادة ناجحون في أدوارهم. أحببت في هذا المقال أن أبسط فكرة الأساليب في القيادة الإدارية، وكيف أنها تتأثر بعوامل عدة تتطلب منك استحضارها وتقييمها بشكل سريع كخارطة ذهنية مرجعية تساعدك في التكيف في قيادتك الإدارية، وتخلق من قيادتك تجربة ثرية لك ولفريقك.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.